هناك
متلازمات لا تنفكّ أبداً في التصور العادي عن بعضها البعض , كأنها منظومة
متسقة لا تقبل الشرخ أو التفكك , أو كأنها تمثال أبدعته يد فنان ماهر حاذق
إذا بُتر منه جزء ـ مهما كان بسيطا ـ بدا مشوّهاً , لا تستقيم صورته , ولا
يحلو إهابه في عين و بصيرة الإنسان العادي إذا كان يتأمل تقاسيمه , فضلا
عمن يتذوق الفن و الجمال من الناس .
و
بما أن مصطلح " الأخلاق الأساسية " مصطلح فضفاض , يتسع لسلوكات و دلالات و
مفاهيم كثيرة متقاربة القيمة .. فإنني أكتفي منها هنا في هذه الأسطر
العجلى بـ " التواضع " كقيمة وسلوك أوكفضيلة من الفضائل ... إن المعارف
المختلفة كي تأخذ سبيلها للأفئدة و العقول و الضمائر , و لكي
تؤتي جناها , ينبغي أن يكون صاحبها متواضعاً رقيقاً ليّـناً في سلوكاته و
معاملاته .
إن الملاحظة والتأمل الحصيف يرشداننا إلى حكمة جليلة القيمة , هي تقريب المسافة بين الأسلوب و الغاية, أو بين الوسيلة و
الهدف, وذلك بضريبة بسيطة سهلة, لا تكلف صاحبها مالاً و لارهقاً, ففي نطاق
العلم مثلا .. إذا قدَّر صاحب العلم أو المعرفة بأن ما يقدمه لغيره من
الناس هوغاية نبيلة أو هدف سام, فعليه أن يفكر في وسيلة تقديمه وبسطه, إن
الأسلوب والغاية يتكاملان أحيانا حتى ليبدوان شيئاً
واحداً, أو وجهين لحقيقة واحدة ... فالشراب مهما كان حلواً سائغاً يعافه
الناس إذا قُدِّم لهم في وعاء صادىء حقير.. وليس هناك من وسيلة أو أسلوب
لبسط المعارف لطالبيها غير السلوك الحضاري, الذي نعبر عنه هنا بفضيلة
التواضع .
فينبغي
على مَن يرجو لعلمه ومعارفه الذيوع و الإنتشار أن يتواضع مع الوسط الذي
يتعامل معه, وأن يلين مع طلابه ويحلم عليهم ويترفق بهم, وأن يسحب ذيل
التجاوز على ما يبدرمنهم من تقصير, وليس ذلك من الهوان أوالمذلة في شيء,
فما أبعد هذا المقام الجليل عن هذه المعاني التي قد تساور بعض الناس...
يقول الفيلسوف الراحل الدكتور زكي نجيب محمود : " ألا ما أسرع الإنسان إلى
الوقوع في الخطأ عندما تختلط عليه الصفات ويتشابه
البقر, فعندئذ قد تبدو في عينيه دماثة المتحضر و وداعته وعذوبته ذلة
وخنوعا .. فمن أراد أن يعلم عن وداعة الإنسان الظاهرة أهي ذلة, أم هي
دماثة خلق, عليه أن يحلل ثقافته تحليلا عميقاً دقيقاً .. لأن صفة التحضر
ليست مما يولد في يوم وليلة "[ قيم من التراث ص 382 ]
.
إن هذه الصفة مطلوبة و مرغوبة , خاصة في الأوساط الفكرية و
العلمية , وهي صفة إنسانية و خلقية عامة , قد يصل إليها غيرنا بتجاربهم
السلوكية التي أسميناها " الأخلاق الأساسية " , أو بعطاءات حضارتهم في
مجال المعاملات و السلوكيات ... لكنها بالنسبة إلينا موروث أصيل في
الأخلاق و السلوك و القيم ... فقد ورد أن النبي صلى الله عليه و سلم كان
يحثّ أصحابه على فضيلة التواضع و خفض الجناح و قال في ذلك : " لا تفضلوني
على يونس بن متىّ , و لا ترفعوني فوق قدري , فتقولوا فيَّ ما قالت النصارى
في المسيح , إن الله اتخذني عبداً قبل أن يتخذني رسولا " ... و
قال كذلك : " أتدرون مَن يحرم على النار يوم القيامة ؟ ... كلّ هين ليِّن
سهل قريب" ... و قال أبو عون الأنصاري :" ما تكلم الناس بكلمة صعبة إلا و
إلى جانبها كلمة ألين منها تجري مجراها " . وقال عبد الله بن المعتز: "
المتواضع من العلماء أكثرالعلماء علماً , كما أن المكان المنخفض أكثر
الأماكن ماءً "
إن
صاحب المعرفة النافعة لا يستنكف أن يتواضع لغيره من الخلائق , ليس فقط
بإحساس من شعوره بسموِّ رسالته العلمية , أو منزلة موقعه الذي وضعته فيه
الأقدار العليا ؛ بل ينبغي أن يكون ذلك أيضا بوازع من ضميره الذي شكلته
مواريثه الأخلاقية و السلوكية , و في ذلك عصمة لفعله من التأويل , و شحذ
لهمته و فعّالية أدائه في الواقع الماثل.
وما أجمل قول الشاعر الحكيم الذي يساق في هذا المقام :
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تـك كالدخان يعلو بنفســه على طبقات الجو وهو وضـيع
اللهم اجعلنا من المتواضعين للناس عامة وأهل الإيمان والعلم والدين والأخلاق خاصة .. آمين آمين
متلازمات لا تنفكّ أبداً في التصور العادي عن بعضها البعض , كأنها منظومة
متسقة لا تقبل الشرخ أو التفكك , أو كأنها تمثال أبدعته يد فنان ماهر حاذق
إذا بُتر منه جزء ـ مهما كان بسيطا ـ بدا مشوّهاً , لا تستقيم صورته , ولا
يحلو إهابه في عين و بصيرة الإنسان العادي إذا كان يتأمل تقاسيمه , فضلا
عمن يتذوق الفن و الجمال من الناس .
و
لعله يجيء في مقدمة تلك المتلازمات :" العلم " و صنوه " السلوك الحضاري
"... فلا يُتصور العلم بمنأى عن السلوك الإنساني أو الحضاري المشبع
بالمُثل و القيم الرفيعة التي يُعبر عنها في الأدبيات الفكرية و
الحضارية المختلفة بالأخلاق الأساسية ... إن هذه الميزة تزيد في ألق العلم
و المعرفة و تجعل صاحبهما ذا منزلة محترمة بين الناس , تضفي عليه الكثير
من معاني التوقير و الترجيب ( بالجيم لا الحاء ) و التبجيل .
لعله يجيء في مقدمة تلك المتلازمات :" العلم " و صنوه " السلوك الحضاري
"... فلا يُتصور العلم بمنأى عن السلوك الإنساني أو الحضاري المشبع
بالمُثل و القيم الرفيعة التي يُعبر عنها في الأدبيات الفكرية و
الحضارية المختلفة بالأخلاق الأساسية ... إن هذه الميزة تزيد في ألق العلم
و المعرفة و تجعل صاحبهما ذا منزلة محترمة بين الناس , تضفي عليه الكثير
من معاني التوقير و الترجيب ( بالجيم لا الحاء ) و التبجيل .
و
بما أن مصطلح " الأخلاق الأساسية " مصطلح فضفاض , يتسع لسلوكات و دلالات و
مفاهيم كثيرة متقاربة القيمة .. فإنني أكتفي منها هنا في هذه الأسطر
العجلى بـ " التواضع " كقيمة وسلوك أوكفضيلة من الفضائل ... إن المعارف
المختلفة كي تأخذ سبيلها للأفئدة و العقول و الضمائر , و لكي
تؤتي جناها , ينبغي أن يكون صاحبها متواضعاً رقيقاً ليّـناً في سلوكاته و
معاملاته .
إن الملاحظة والتأمل الحصيف يرشداننا إلى حكمة جليلة القيمة , هي تقريب المسافة بين الأسلوب و الغاية, أو بين الوسيلة و
الهدف, وذلك بضريبة بسيطة سهلة, لا تكلف صاحبها مالاً و لارهقاً, ففي نطاق
العلم مثلا .. إذا قدَّر صاحب العلم أو المعرفة بأن ما يقدمه لغيره من
الناس هوغاية نبيلة أو هدف سام, فعليه أن يفكر في وسيلة تقديمه وبسطه, إن
الأسلوب والغاية يتكاملان أحيانا حتى ليبدوان شيئاً
واحداً, أو وجهين لحقيقة واحدة ... فالشراب مهما كان حلواً سائغاً يعافه
الناس إذا قُدِّم لهم في وعاء صادىء حقير.. وليس هناك من وسيلة أو أسلوب
لبسط المعارف لطالبيها غير السلوك الحضاري, الذي نعبر عنه هنا بفضيلة
التواضع .
فينبغي
على مَن يرجو لعلمه ومعارفه الذيوع و الإنتشار أن يتواضع مع الوسط الذي
يتعامل معه, وأن يلين مع طلابه ويحلم عليهم ويترفق بهم, وأن يسحب ذيل
التجاوز على ما يبدرمنهم من تقصير, وليس ذلك من الهوان أوالمذلة في شيء,
فما أبعد هذا المقام الجليل عن هذه المعاني التي قد تساور بعض الناس...
يقول الفيلسوف الراحل الدكتور زكي نجيب محمود : " ألا ما أسرع الإنسان إلى
الوقوع في الخطأ عندما تختلط عليه الصفات ويتشابه
البقر, فعندئذ قد تبدو في عينيه دماثة المتحضر و وداعته وعذوبته ذلة
وخنوعا .. فمن أراد أن يعلم عن وداعة الإنسان الظاهرة أهي ذلة, أم هي
دماثة خلق, عليه أن يحلل ثقافته تحليلا عميقاً دقيقاً .. لأن صفة التحضر
ليست مما يولد في يوم وليلة "[ قيم من التراث ص 382 ]
.
إن هذه الصفة مطلوبة و مرغوبة , خاصة في الأوساط الفكرية و
العلمية , وهي صفة إنسانية و خلقية عامة , قد يصل إليها غيرنا بتجاربهم
السلوكية التي أسميناها " الأخلاق الأساسية " , أو بعطاءات حضارتهم في
مجال المعاملات و السلوكيات ... لكنها بالنسبة إلينا موروث أصيل في
الأخلاق و السلوك و القيم ... فقد ورد أن النبي صلى الله عليه و سلم كان
يحثّ أصحابه على فضيلة التواضع و خفض الجناح و قال في ذلك : " لا تفضلوني
على يونس بن متىّ , و لا ترفعوني فوق قدري , فتقولوا فيَّ ما قالت النصارى
في المسيح , إن الله اتخذني عبداً قبل أن يتخذني رسولا " ... و
قال كذلك : " أتدرون مَن يحرم على النار يوم القيامة ؟ ... كلّ هين ليِّن
سهل قريب" ... و قال أبو عون الأنصاري :" ما تكلم الناس بكلمة صعبة إلا و
إلى جانبها كلمة ألين منها تجري مجراها " . وقال عبد الله بن المعتز: "
المتواضع من العلماء أكثرالعلماء علماً , كما أن المكان المنخفض أكثر
الأماكن ماءً "
إن
صاحب المعرفة النافعة لا يستنكف أن يتواضع لغيره من الخلائق , ليس فقط
بإحساس من شعوره بسموِّ رسالته العلمية , أو منزلة موقعه الذي وضعته فيه
الأقدار العليا ؛ بل ينبغي أن يكون ذلك أيضا بوازع من ضميره الذي شكلته
مواريثه الأخلاقية و السلوكية , و في ذلك عصمة لفعله من التأويل , و شحذ
لهمته و فعّالية أدائه في الواقع الماثل.
وما أجمل قول الشاعر الحكيم الذي يساق في هذا المقام :
تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تـك كالدخان يعلو بنفســه على طبقات الجو وهو وضـيع
الخميس ديسمبر 01, 2011 8:37 pm من طرف lifeprincess
» google seo backlink services
الثلاثاء أغسطس 02, 2011 12:07 am من طرف زائر
» When the first Whirlpool Duet album was released in December 2001 came as a surprise to the public
الأحد يوليو 31, 2011 11:36 am من طرف زائر
» نداء رمضان..ياباغي الخير أقبل
الخميس أغسطس 13, 2009 12:46 pm من طرف المدير العام
» كيف نستقبل شهر رمضان المبارك ؟
الخميس أغسطس 13, 2009 12:44 pm من طرف المدير العام
» ألغاز شعبية جزائرية رائعة جدااااااااا تتطلب ذكاء فائق
الأربعاء أغسطس 12, 2009 1:08 am من طرف زائر
» صلاة التراويح
الخميس يوليو 23, 2009 9:56 am من طرف المدير العام
» http://www.qaradawi.net/
السبت فبراير 07, 2009 5:13 pm من طرف المدير العام
» غزة أرجوزة الموت
الإثنين يناير 12, 2009 1:14 pm من طرف المدير العام